الاستعمار والقمع وسياسة فرق تسد

الاستعمار والقمع وسياسة فرق تسد

  • الاستعمار والقمع وسياسة فرق تسد

اخرى قبل 4 سنة

الاستعمار والقمع وسياسة فرق تسد

السفري، الكتاب الثاني، ص 118- 120)؛

غير أن أخطر مظاهر سياسة " فرّق تسد " تمثّل في جهود سلطات الانتداب لإثارة حالة من الاحتراب الداخلي في فلسطين.

فبعد أن أعلنت الحكومة البريطانية، في 9 تشرين الثاني 1937، عدولها عن مشروع التقسيم، وجّه فخري النشاشيبي، زعيم حزب الدفاع المعارض لقيادة المفتي، في 15 تشرين الثاني، رسالة إلى المندوب السامي، أعلن فيها أن العرب راضون عن إلغاء مشروع التقسيم، وأن المفتي لم يعد يمثّل الرأي العام العربي في فلسطين. وبدأ، بدعم علني من السلطات، بتنظيم " فرق سلام " لمحاربة الثوار المتعاطفين مع المفتي. وقد انضم إلى تلك الفرق كثيرون من قادة فرق الأنصار، الذين كانوا مرتبطين بآل النشاشيبي، و" ألبس الإرهابيون الذين تركوا العصابات بزات عسكرية، ورافقوا الجنود إلى الجبال لإرشادهم إلى أوكار قطاع الطرق "، وصاروا يردّون " على  إرهاب رجال المفتي بإرهاب مضاد " (الثورة العربية، ص 170-171).

وقد هدفت السلطات البريطانية  من وراء تشجيع تشكيل " فرق السلام "، التي وضعت تحت إشراف الضابط الإنكليزي تشارلز تيجارت، الخبير بمكافحة حرب العصابات، إلى إشعال نار الحرب الأهلية في البلاد، كما هدفت إلى تأليب الفلاحين على الثورة، مستغلة أعمال السلب والنهب التي كانت تقوم بها تلك الفرق ، وكذلك إلى تشويه سمعة الثورة في الداخل والخارج وإظهارها بمظهر غير ثوري (خلة، ص 459-460).

وفي أجواء الاحتراب الداخلي التي نشأت في البلاد، تزايدت الاغتيالات السياسية، التي كانت تستهدف في الماضي عملاء المخابرات البريطانية وسماسرة الأراضي، ثم صارت تستهدف المخاتير والوجهاء، أو حتى أبناء الطبقة الوسطى المدينية أو أبناء الأعيان. وينقل الباحث مصطفى كبها عن شهود عيان عاصروا أحداث الثورة، أن عمليات الاغتيال تلك استهدفت " الأخوين أحمد ومحمد إرشيد، من قرية صير قضاء جنين، وقد عرفا بمساندة الثورة ومدها بالمساعدات قبل اغتيالهما "، كما استهدفت " حسن صدقي الدجاني الذي كان من قادة ومنظمي الإضراب الكبير عام 1936 ". ويتابع الباحث نفسه أن هذا الضغط قد بلغ ذروته " عندما فرض القائد يوسف أبو درة أحكاماً بالإعدام على 38 مختاراً ووجيهاً قروياً، وقرر ليلة الخامس من كانون الثاني 1939 موعداً لتنفيذ الحكم، حيث بعث عدداً من الثوار لتنفيذ الأحكام، وقد نجح بعضهم بالفعل في تنفيذ أحكام الإعدام ببعض المخاتير والوجهاء، في حين أصابوا آخرين بجراح، ونجح الباقون بالفرار "

(مصطفى كبها، " ثورة 1936-1939 والذاكرة  الشعبية الفلسطينية (الحلقة 31) "،

ثالثاً: تعزيز التعاون مع المنظمات الصهيونية

يرى معدّو كتاب " تاريخ الهاغانا "، في القسم المخصص للثورة العربية، أنه سيكون من نكران الجميل " عدم التنويه بالدور المهم الذي قامت به الشرطة البريطانية في الدفاع عن المستعمرات اليهودية "، وبفضل الحراس البريطانيين من الجيش والشرطة " الذين رافقوا القوافل اليهودية في الطرقات الخطرة "، وبقيام الضباط والشرطة البريطانيين " بغض النظر عن السلاح غير المرخص " في أيدي المستوطنين اليهود (الثورة العربية، ص 19 و ص 61-62).

والواقع، أن سلطات الانتداب قد قررت، منذ بدء الإضراب العام والعمليات المسلحة، إضفاء الطابع الشرعي على منظمة الهاغانا من خلال تجنيد حراس قرويين لحماية المستعمرات اليهودية. فكان ذلك " بداية مؤسسة الخفارة (هنوطروت )، التي كان إنشاؤها بمثابة انعطاف في تاريخ الهاغانا "، حيث وصل عدد الحراس أو الخفراء، في منتصف حزيران 1936،" إلى 1300 شخص، وتقرر تسليمهم بنادق حربية ". وفي نهاية أحداث سنة 1936، " كان هناك في الييشوف 3000 شخص يمتلكون سلاحاً مرخصاً " (الثورة العربية، ص 62).

وقد شاركت قوة الخفارة اليهودية الجيش البريطاني في عملياته العسكرية ضد الثوار، كما شاركت في الدفاع عن المدن، حيث قررت السلطات البريطانية تقديم الأسلحة، في إطار قوة الخفارة (هنوطروت )، إلى أعضاء الهاغانا بصفتهم أفراداً ملحقين بالشرطة، كما أعطت رخصاً بحمل السلاح للسائقين اليهود، الأمر الذي أدّى " إلى إضفاء الشرعية على 1200 شخص، كانوا يقومون بالحراسة في القدس وحدها " (الثورة العربية، ص 203).

في مطلع  أيلول 1936، وافقت الحكومة على أن يتسلم أعضاء قوة الخفارة اليهودية زياً موحداً، وتعهدت الحكومة بدفع نصف رواتبهم. ومع الوقت تحوّلت هذه القوة إلى مؤسسة دائمة، عرفت باسم " قوة الشرطة الإضافية "، غير خاضعة للشرطة في فلسطين مباشرة، ثم  أطلق عليها اسم " شرطة المستعمرات العبرية ". وفتحت الخفارة آفاقاً جديدة لتدريب شبان الييشوف على السلاح، بمساعدة ضباط الجيش البريطاني (الثورة العربية، ص 299- 300 و ص 303-308).

وفي كانون الثاني 1939، نظّمت " شرطة المستعمرات العبرية " في عشر كتائب، وعيّن لكل كتيبة قائد بريطاني من ضباط الشرطة، يعاونه مفتش كتيبة معيّن من قبل الوكالة اليهودية. وفي آذار 1939، تشكّلت، بناء على أوامر من قائد الجيش في البلد، " لجنة الدفاع عن المستعمرات العبرية "، التي كانت مهمتها الاهتمام بكل ما يتعلق بالدفاع عن المستعمرات، وتنظيم " شرطة المستعمرات العبرية "، وكانت تتشكّل من ممثل الجيش، وممثل الشرطة، وممثل الوكالة اليهودية. وبعد أن جرد الشرطة العرب من أسلحتهم، وفر الكثيرون منهم أواستقالوا من الشرطة، استدعي خفراء يهود للخدمة في وظائف الشرطة، وبلغ عددهم في صيف 1939 1636 خفيراً (الثورة العربية، ص 313). وفي تموز 1939 ، قد ضمت الخفارة نحو 22000 من أبناء الييشوف، أي ما نسبته نحو 5 في المئة من الييشوف اليهودي (الثورة العربية، ص 313- 314)؛

وكما يستخلص معدّو كتاب " تاريخ الهاغانا "، فقد  كان للتعاون مع السلطات البريطانية، الهادف إلى قمع التمرد العربي، " أهمية حاسمة في ضمان بقاء الييشوف العبري وتطور الهاغانا، لأنه فسح للييشوف مجال إنشاء قوة دفاعية شرعية وعلنية، في فترة لم تكن الهاغانا تملك فيها الكميات الكافية من الأسلحة لصد الهجمات، ولا الأموال لتجنيد العدد اللازم من المدافعين تجنيداً كاملاً " (الثورة العربية، ص 293-294).

التعليقات على خبر: الاستعمار والقمع وسياسة فرق تسد

حمل التطبيق الأن